عرب وعالم

كيف تتحرك مصر لإحباط مخطط إسرائيل في الصومال؟.. مهران يكشف

كتب : محمد جعفر


11:03 م


28/12/2025

في تطور لافت يعكس عمق الاستراتيجية المصرية لمواجهة المخططات الإسرائيلية في القرن الأفريقي، كشف الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، عن أن التواجد العسكري المصري المتزايد في الصومال والتحركات الدبلوماسية النشطة للرئيس عبد الفتاح السيسي تمثل رداً استباقياً حاسماً على الاعتراف الإسرائيلي بصومالي لاند، مؤكداً أن هذه التحركات تثير قلقاً بالغاً في تل أبيب التي تجد نفسها أمام جدار استراتيجي مصري يحبط مخططاتها.

وأوضح مهران في تصريحات صحفية لـ “مصراوي” أن القرار المصري بإرسال قوات عسكرية إلى الصومال ضمن اتفاقيات الدفاع المشترك يمثل خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، حيث لا يقتصر دورها على تدريب القوات الصومالية فحسب، بل يمتد إلى تأمين الحدود ومواجهة أي محاولات لزعزعة استقرار الصومال أو دعم الانفصال، مشيراً إلى أن هذا التواجد يقطع الطريق أمام المحاولات الإسرائيلية لتحويل صومالي لاند إلى قاعدة عسكرية وأمنية تهدد الأمن القومي المصري.

وأضاف أن الرئيس السيسي أدرك مبكراً خطورة المخطط الإسرائيلي الإثيوبي لتطويق مصر من الجنوب، ولذلك بادر بتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الصومال من خلال اتفاقيات دفاعية وأمنية واقتصادية شاملة، مما جعل مصر الحليف الأقوى والأكثر حضوراً في مقديشو، وهو ما يقلق إسرائيل التي كانت تراهن على فراغ استراتيجي تملأه من خلال صومالي لاند.

وكشف أن التنسيق المصري التركي السعودي في الملف الصومالي يمثل نموذجاً مثالياً للتعاون الإقليمي المطلوب، حيث تتكامل الأدوار بين القوة العسكرية المصرية والدعم السياسي التركي والإمكانيات الاقتصادية السعودية، مما يخلق جبهة موحدة قادرة على حماية الصومال من التفتيت ومنع إسرائيل من اختراق المنطقة.

وأكد الدكتور مهران أن هذا التعاون الثلاثي يجب أن يتطور إلى آلية دائمة لا تقتصر على الصومال، بل تمتد لمواجهة كافة التهديدات الإسرائيلية في المنطقة، داعياً إلى عقد قمة ثلاثية عاجلة بين مصر وتركيا والسعودية لوضع استراتيجية شاملة لحماية الأمن القومي العربي من المحاولات الإسرائيلية لإعادة رسم الخريطة الإقليمية.

وحول مطالب مصر المتكررة بتشكيل قوة عربية مشتركة، قال إن اللحظة الراهنة تمثل فرصة ذهبية لتحويل هذا المطلب من شعار إلى واقع ملموس، مشيراً إلى أن التهديدات المتصاعدة من إسرائيل وإثيوبيا وحلفائهما تفرض على الدول العربية ضرورة التحرك الجماعي الفوري لتشكيل قوة عسكرية واقتصادية ودبلوماسية موحدة قادرة على الردع.

وأوضح أن مصر طرحت مراراً وتكرارا فكرة القوة العربية المشتركة في إطار جامعة الدول العربية، لكن الاستجابة كانت دائماً دون المستوى المطلوب، محذراً من أن استمرار التردد سيعني ترك الساحة مفتوحة أمام إسرائيل لتنفيذ مخططاتها التوسعية دون رادع حقيقي.

وشدد مهران على أن ردع إسرائيل لا يتحقق بالإدانات والبيانات، بل بامتلاك قوة حقيقية قادرة على فرض معادلات جديدة على الأرض، مؤكداً أن التواجد العسكري المصري في الصومال يمثل نموذجاً لما يجب أن تكون عليه السياسة العربية الجماعية في مواجهة التهديدات.

ومن منظور القانون الدولي، أكد الدكتور مهران أن الاعتراف الإسرائيلي بصومالي لاند يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الراسخة منذ إنشاء الأمم المتحدة، موضحاً أن المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة تحظر بشكل قاطع على جميع الدول استخدام القوة أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وأن الاعتراف بالكيانات الانفصالية يعد شكلاً من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول المحظور بموجب المادة الثانية الفقرة السابعة من الميثاق.

وأضاف أن محكمة العدل الدولية أكدت في العديد من الفتاوي أن الاعتراف بالكيانات الانفصالية دون موافقة الدولة الأم يثير قضايا قانونية خطيرة تتعلق بانتهاك السيادة، كما أن قرارات مجلس الأمن الدولي المتعاقبة، خاصة القرار رقم 733 لعام 1992 والقرارات اللاحقة، تؤكد جميعها على احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه، مما يجعل أي اعتراف بانفصال جزء منه باطلاً ولاغياً من الناحية القانونية الدولية، مشددا على أن إسرائيل بهذا الاعتراف تنتهك أيضاً مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، الذي لا يعني الانفصال الأحادي بل يتحقق ضمن إطار وحدة الدولة من خلال الحكم الذاتي أو الفيدرالية، وأن الاعتراف بصومالي لاند يخلق سابقة خطيرة تهدد استقرار النظام الدولي القائم على احترام الحدود الدولية المعترف بها.

وحول المشروعية القانونية الدولية للتواجد العسكري المصري في الصومال، أوضح الدكتور مهران أن القانون الدولي يمنح الدول الحق الكامل في إبرام اتفاقيات دفاع مشترك وتعاون عسكري بناءً على إرادتها الحرة، مشيراً إلى أن الاتفاقية المصرية الصومالية للدفاع المشترك تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس الفردي والجماعي، وإلى الفصل الثامن من الميثاق الذي يشجع الترتيبات والوكالات الإقليمية لحفظ السلم والأمن الدوليين.

وأضاف أن ميثاق جامعة الدول العربية في المادة السادسة ينص على أن الدول الأعضاء تتعهد بالامتناع عن كل عمل يرمي إلى تغيير نظام الحكم القائم في أي منها أو تهديد أمنها، وأن معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950 تلزم الدول العربية بالتعاون الدفاعي لمواجهة أي عدوان، مما يجعل التواجد المصري في الصومال ليس فقط مشروعاً بل واجباً قانونياً في إطار الالتزامات العربية المشتركة.

هذا ولفت مهران إلي أن ميثاق الاتحاد الأفريقي يؤكد في المادة الرابعة على حق الدول الأعضاء في طلب تدخل الاتحاد في ظروف خطيرة، وأن الصومال كدولة ذات سيادة كاملة لها الحق المطلق في دعوة أي دولة صديقة لمساعدتها في حماية أمنها واستقرارها، في حين أن الاعتراف الإسرائيلي بكيان انفصالي يفتقر لأي أساس قانوني ويتعارض مع كافة الأعراف والمواثيق الدولية، مؤكداً أن القانون الدولي ينحاز بشكل واضح للموقف المصري الذي يحترم السيادة والوحدة الإقليمية، بينما يدين الموقف الإسرائيلي الذي يقوض أسس النظام الدولي.

وحول إثيوبيا ودورها في المخطط الإسرائيلي، حذر الدكتور مهران من أن أديس أبابا تعمل كحصان طروادة لتل أبيب في المنطقة، حيث تنسق معها في ملف سد النهضة لخنق مصر مائياً، وكانت تسعى للحصول على منفذ بحري عبر صومالي لاند بدعم إسرائيلي، مما كان سيمنحها القدرة على تهديد الملاحة في البحر الأحمر.

وأضاف الخبير الدولي أن قطع الطريق على إثيوبيا يتطلب استراتيجية متعددة المحاور تشمل الضغط الدبلوماسي على المجتمع الدولي لإجبارها على التوقيع على اتفاق ملزم بشأن سد النهضة، ودعم الموقف الصومالي الرافض لأي تنازلات إقليمية لإثيوبيا، وتقوية التحالفات الإقليمية مع دول حوض النيل والقرن الأفريقي لعزل أديس أبابا سياسياً.

ودعا إلى فرض عقوبات اقتصادية على إثيوبيا من قبل الدول العربية والأفريقية حتى تتوقف عن دعم المشاريع الانفصالية وعن سياساتها العدوانية تجاه جيرانها، مؤكداً أن إثيوبيا تعتمد بشكل كبير على الأسواق العربية والخليجية، وأن استخدام السلاح الاقتصادي يمكن أن يجبرها على تغيير سياساتها.

وأشار الدكتور مهران إلى أن كل من يعاون إسرائيل وإثيوبيا في تنفيذ مخططاتهما يجب أن يواجه عواقب واضحة، سواء كانت دولاً أو كيانات أو شركات، مطالباً بإعداد قائمة سوداء بكل الجهات التي تدعم الاعتراف بصومالي لاند أو تتعامل معها، وفرض عقوبات صارمة عليها.

هذا واعتبر أستاذ القانون الدولي ان النجاحات المصرية الأخيرة في الصومال تثبت أن الإرادة السياسية الحازمة والتحرك الاستباقي قادران على إحباط أخطر المؤامرات، مؤكداً أن تعميم هذا النموذج على المستوى العربي من خلال قوة موحدة هو السبيل الوحيد لحماية الأمن القومي العربي من التهديدات المتصاعدة، وأن اللحظة التاريخية تتطلب قرارات شجاعة وتحركات جريئة لا مجال فيها للتردد أو الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى