مسؤول إسرائيلي في تحذير نادر: “نقرة واحدة كفيلة بإسقاط دولة”
هجمات إلكترونية
وجّه يوسي كارادي، رئيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في إسرائيل، تحذيرًا اعتبرته صحيفة يديعوت أحرونوت “استثنائيًا”، من المخاطر التي تحملها الهجمات الإلكترونية، مؤكدًا أن دولة كاملة قد تنهار خلال لحظات بفعلها، إذ باتت الاعتداءات على شبكات الكهرباء والمياه وأنظمة إشارات المرور والمستشفيات أدوات حربية تُشن غالبًا عبر مجموعات تعمل بالوكالة لإخفاء هوية الجهات الحقيقية.
وبحسب الصحيفة العبرية، استعرض كارادي خلال كلمته، الثلاثاء، في مؤتمر أسبوع الأمن السيبراني بجامعة تل أبيب، جانبًا من النشاط الدفاعي الذي قامت به إسرائيل خلال الأشهر الستة الأخيرة، مقدمًا رؤية قاتمة لما وصفه بـ”الحرب السيبرانية الأولى”.
وقال كارادي إن العالم يسير نحو زمن “تبدأ فيه الحروب وتنتهي داخل الفضاء الرقمي”، وطرح مفهوم “الحصار الرقمي”، وهو وضع “كارثي” تُعطّل فيه محطات الطاقة، وتتوقف إشارات المرور بالكامل، وتنهار شبكات الاتصال، وتتلوث موارد المياه، وكل ذلك يمكن حدوثه عن بُعد بضغطة واحدة، مشددًا أن هذا السيناريو ليس خيالًا مستقبليًا بل اتجاهًا واقعيًا آخذًا في التبلور.
وأوضح أن فكرة الحصار الرقمي ليست مجرد شعار، بل نتيجة لمسار تقني ممتد منذ 15 عامًا، ففي السابق، كانت قدرات الدول في ميدان الحرب السيبرانية تقتصر غالبًا على عمليات تجسس هادئة أو ضربات دقيقة موجهة نحو منشآت عسكرية. لكن التطورات الأخيرة بينت أن الخصوم لم يعودوا يستهدفون الأسرار فحسب، بل يسعون إلى تعطيل الحياة المدنية برمتها.
وبحسب الصحيفة، يُعدّ اكتشاف فيروس “ستوكسنت” عام 2010 نقطة بداية متفقًا عليها لبروز الحرب السيبرانية الحديثة، وهو الفيروس الذي نُسب استخدامه لإسرائيل والولايات المتحدة في استهداف أجهزة الطرد المركزي بمنشأة نطنز النووية الإيرانية، وقد صُمم لمهاجمة أنظمة صناعية محددة بدقة، مع تجنب أجهزة الكمبيوتر المدنية والبنى غير المرتبطة بالمنشأة.
وأضافت الصحيفة أن نقطة التحول الكبرى جرت في منتصف العقد الماضي في أوروبا الشرقية، حين نفّذت مجموعة “ساندوورم” الروسية هجومًا اخترق شبكة الكهرباء في أوكرانيا، تاركًا مئات الآلاف في ظلام دامس خلال طقس شديد البرودة.
ومنذ ذلك الوقت، تحولت الهجمات الإلكترونية من مجرد أسلحة موجهة ضد أهداف عسكرية إلى أدوات لإحداث تأثير نفسي وجسدي مباشر على المدنيين.
كما أظهر هجوم “واناكراي” العالمي عام 2017 المنسوب إلى كوريا الشمالية كيف يمكن لأدوات القرصنة أن تنفلت من السيطرة، ملحقة ضررًا عشوائيًا بالمستشفيات وخدمات الطوارئ حول العالم.
ويشير كارادي إلى أن المرحلة الحالية تمثل تصعيدًا أخطر، إذ تبنت إيران ما وصفه بـ”عقيدة الإرهاب السيبراني”، وكان أبرز مثال لذلك محاولة عام 2020 للتلاعب بمستويات الكلور في شبكة المياه الإسرائيلية، والتي لو نجحت لكانت قد تسببت في كارثة تسمم واسعة.
وأوضح أن الهجمات الإيرانية منذ ذلك الحين تركزت على نقاط ضعف مدنية داخل إسرائيل، شملت مستشفيات وتعطيلًا لأنظمة الإنذار ومحاولات متكررة لقطع التيار الكهربائي.
وكشف أن الهجمات على المستشفيات اتخذت أشكالًا جديدة، مشيرًا إلى محاولة الاختراق التي استهدفت مركز شامير الطبي مؤخرًا.
وقال إن المجموعة التي تقف وراء هذا الهجوم هي “كيلين”، والتي تُظهر نفسها كمنظمة إجرامية، في نموذج يعكس لجوء الدول لتجنيد مجموعات قرصنة بالوكالة لإخفاء مسؤوليتها. وأوضح أن هذا الأسلوب لا يقتصر على إسرائيل، فالتقييمات الاستخباراتية الأمريكية والأوروبية تشير إلى توجهات مماثلة.
وفي السياق ذاته، قالت الصحيفة إن الصين بدورها تستخدم مجموعات مثل “فولت تايفون” لزرع ثغرات في البنية التحتية الأمريكية الحساسة، ليس بهدف الكسب المادي، بل استعدادًا لعمليات هجومية مستقبلية محتملة.
وذكر كارادي أنه خلال أحد الهجمات الإيرانية، ظهر نمط هجومي مدمج، إذ أُطلق صاروخ على معهد وايزمان بالتزامن مع اختراق كاميرات المراقبة الخاصة بالمكان بهدف تصوير لحظة الضربة وتعظيم أثرها النفسي. وفي الوقت نفسه تلقى العاملون في المعهد رسائل بريد إلكتروني تتضمن تهديدات ومعلومات شخصية مسرّبة.
وأشار إلى أن هذا الأسلوب يشبه ما شهدته الحرب في أوكرانيا من عمليات قرصنة وتسريبات جرت بالتوازي مع قصف ميداني هدفه إرباك السكان وطمس المعلومات.
واختتم كارادي بالإشارة إلى أن هذا الواقع يحمل تهديدًا وفرصة في آن واحد، في ظل تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي واعتماد العالم شبه الكامل على الأنظمة الرقمية، موضحًا أن هذه التطورات تتيح إمكانات ضخمة لكنها تمنح المهاجمين أيضًا مجالًا غير محدود للتحرك.
وختمت الصحيفة بأن الرسالة الأساسية لكارادي تؤكد أنه في الحروب المقبلة لن تكون لوحة المفاتيح أقل تدميرًا من الصاروخ.




